* أمير الجهاد في المغرب العربي.
جاء بطلنا في مرحلة تاريخية حاسمة مرت بها ديار الإسلام عامة وموطنه المغرب على وجه التحديد، فجاهد الإستعمار ولم يخش الموت، فعرفه التاريخ مناضلا وفارسا لا يشق له غبار.
هو المجاهد الكبير والمقاوم الشامخ محمد بن عبد الكريم الخطابي، رحمه الله، واحد ممن إختص الله بهم شعب المغرب في تاريخه الحديث، وممن قدموا أرواحهم حبا للبلد وذودا عن حمى الدين والعرض الوطن.
ولد الخطابي في بلاد الريف بالمغرب الأقصى، من قبيلة بني ورغايل الريفية من قبائل الأمازيغ سنة 1300هـ=1882م، وهي الفترة التي شهدت حدّة التنافس بين الدول الأوروبية المستعمرة على القارة الإفريقية.
تلقى الأمير دراسته الأولية بجامعة القيروان، واطلع على الثقافة الغربية، وإصطدم بالإدارة الإسبانية في «مليلة»، فسجن، غير أنه تمكّن من الفرار من سجنه وعاد إلى مسقط رأسه.
¤ الأمـــير:
تزعّم قبيلته بعد وفاة والده سنة 1339هـ=1920م، وحمل راية الجهاد، فأباد ورجاله جيشاً إسبانياً يتكون من أربعة وعشرين ألف مقاتل بقيادة الجنرال سلفستر سنة 1340هـ=1921م، وذلك في معركة أنوال المشهورة، وبذلك تمكّن من السيطرة على بلاد الريف، ومنطقة عمارة، وأسس جمهورية الريف -الجمهورية الإتحادية لقبائل الريف- في 18 سبتمبر 1921، وهي جمهورية عصرية بدستور وبرلمان، معلنا إستقلال المنطقة عن الحماية الإسبانية للمغرب، واتخذ أغادير عاصمة له فيما إقتصر النفوذ الإسباني على مدينة تطوان، وبعض الحصون في الجبال القريبة منها.
أرسل الديكتاتور الأسباني -بريمودي ريفيرا- في سنة 1342هـ=1923م قوات جديدة إلى الريف لمحاربة الأمير الخطابي، بلغ قوامها 150 ألف مقاتل يقودهم الجنرال بيرنجر، وكان الخطابي قد رفض عرضا بالإعتراف بإستقلال الريف تحت سيادته بحماية إسبانية.
ومجددا تندلع الحرب ليهزم الخطابي مجددا الجيش الأسباني هزيمة نكراء عام 1343هـ =1924م، ويواصل مطاردته لفلول الجيش المهزوم حتى مدينة تطوان، وقد بلغت حكومة الأمير الخطابي ذروة قوتها عام 1344هـ=1925م، وأصبح مضرب المثل في جهاده ضد الإستعمار الأوروبي، وما زال اسم عبد الكريم رمزاً للرعب في اللغة الإسبانية.
وفي معركة تازة التي إندلعت في نفس العام، تمكن الخطابي أيضا من هزيمة الفرنسيين، فلجأت فرنسا إلى الحيلة والمكر لإضعافه بإشاعة أنه يطمع في عرش مراكش، ونسَّقت دعايتها مع الحكومة الإسبانية، كما ضمنت معاونة إيطاليـا وصَمْتَ بريطانيا، وقد أحدث هذا إنقساماً في صفوف المجاهدين، وتحالف بعض أتباع الطرق الصوفية مع القوة المعادية.
وكان من بين المتحالفين من الفرنسيين أتباع الشيخ عبد الحي الكتاني والشيخ عبد الرحمن الدرقاوي، وبلغ عدد القوات الفرنسية والإسبانية التي واجهت الأمير الخطابي 280 ألف جندي، مما اضطره إلى التسليم للفرنسيين سنة 1345هـ=1926م، ثم نفوه إلى جزيرة "ريونيون" إحدى جزر المحيط الهندي، حيث قضى في منفاه هذا إحدى وعشرين سنة.
¤ إلى مصـــر:
في عام 1367هـ=1947م، قررت فرنسا نقله إليها على متن سفينة عبر قناة السويس، فتمكن بمساعدة شباب المغرب وتونس والجزائر، المقيمين في مصر والمنضوين في مكتب المغرب العربي بالقاهرة، من تهريبه، لتبدأ من القاهرة مرحلة نضال جديدة في تاريخ الرجل.
ووسط ترحيب من جماعة الإخوان المسلمين وإستقبال وفد الجماعة برئاسة الأستاذ طاهر منير في السويس له، وجهود الأمين العام للجامعة العربية الأستاذ عبد الرحمن عزام تمّت موافقة الحكومة المصرية على لجوئه السياسي إلى مصر رغم إحتجاج السفير الفرنسي بمصر، حيث بدأ بعد إستقراره بالقاهرة يمارس نشاطه من أجل إستقلال بلاد المغرب العربي الكبير، وفي القاهرة، أسس الخطابي وأبناء المغرب العربي الكبير، لجنة أسموها -لجنة تحرير المغرب العربي-، وذلك يوم 9/12/1947م، وإختير الأمير رئيساً لها.
أتيحت للخطابي الفرصة من خلال إقامته في القاهرة للقاء العديد من رموز العالم العربي والإسلامي وتأثره بالإمام الشهيد حسن البنا، حيث كان كثير اللقاء به في إجتماعات خاصة وعامة، في مكتب المغرب العربي، والمركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة.
ويقول الزعيم المجاهد الخطابي معلقا على حادث إغتيال الإمام الشهيد حسن البنا: ويح مصر!! وإخوتي أهل مصر مما يستقبلون جزاء ما إقترفوا، فقد سفكوا دم ولي من أولياء الله.. ترى أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم بل في غرّتهم حسن البنا الذي لم يكن في المسلمين مثله.. انتهى.
¤ وفاتــــــه:
ولقد بقي الخطابي بمصر يزاول نشاطه مع الدعاة المخلصين للإسلام، حتى وفاته، في 6 فبراير 1963، بعد أن شهد تحرير واستقلال المغرب من الحماية الإسبانية والفرنسية، ودفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة.
¤ مــن أقواله:
اشتهر الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بأمثاله ومقولاته المعبرة والهامة، وفيما يلي بعض من هذه الأمثال والمقولات:
ـ ليس في قضية الحرية حل وسط.
ـ لا أدري بأي منطق يستنكرون إستعباد الفرد، ويستسيغون إستعباد الشعوب.
ـ تكلم بهدوء واضرب بشدة.،
ـ الاستعمار يموت بتحطيم أسواقه الإقتصادية، ويدفن بسلاح المجاهدين.
ـ قالوا إنهم جاؤوا لتمديننا، ولكن بالغازات السامة وبوسائل الفناء.
ـ الاستعمار وهم وخيال يتلاشى أمام عزيمة الرجال، لا أشباه الرجال.
ـ لقد قتلنا الإستعمار في الريف وما على الشعوب إلا دفنه، وإذا لم تستطع فلا عزاء لها. ـ إنتصار الإستعمار ولو في أقصى الأرض هزيمة لنا، وإنتصار الحرية في أي مكان هو انتصار لنا.
الكاتب: معتز بالله محمد.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.